لعز بناه الاهرام

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...

قال الله تعالى:{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يوسف : 111


للأسف اكثرنا - و انا اولهم - يقرا هذا الكتاب الكريم بلا تدبر كافي لمعانيه و ما فيه من حكم و معجزات و عظات.

مما ذكر في القرآن من اخبار الأمم السابقة , لأخذ العبرة و العظة , خبر قوم عاد الذين أهلكهم الله بريح صرصر عاتية استمرت سبع ليال وثمانية أيام.
قال تعالى { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي
خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } فصلت : 15

و قال عز و جل { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ }غافر :82

و قع نظري على بحث يربط بين قوم عاد و بناء الأهرامات , بل و يفند "اسطورة" بناء الفراعنة للأهرامات , اكبر عجائب الدنيا , بأسلوب علمي - يحتاج للمزيد من التنقيح حسب وجهة نظري الخاصة خصوصا في بعض ابوابه و لكن هذا لا ينفي قيمته العالية - و يربط مافي كتاب الله في هؤلاء القوم بموضوع البحث. و هذا هو ما جذبني... دعوة لتدبر القرآن في موضوع كثر الغلط فيه بل و الغلو من بعض الأخوة في ارض الكنانة .

نحن نعلم ان القرآن حمّال اوجه , و لكن مما اعلمه - حسب علمي الشرعي المحدود جدا - ان اخبار الأمم السابقة , ذكرها الله في محكم كتابة تسلية لنبيه الكريم و لأخذ العظة و العبرة , و نحن كمسلمين , في ما زاد عن المذكور في القرآن و السنة النبوية المطهرة , نعامله من باب الأسرائيليات ... لا نصدقها ولا نكذبها ما دامت لا تتعارض مع الكتاب و السنة و ثوابت العقيدة و ان لا تتعرض بالجرح للرسل الكرام و سيرتهم.

و قد نظرت كثيرا في هذا الموضوع - المعجزة الهندسية لبناء الأهرام - من فريقين : المتعصبين لفكرة ان الأهرامات بناها المصريون القدماء اللذين كانوا متفوقين في العلم - بل و ذهب الكثير منهم انهم اكثر تقدما و حضارة منا و ان الكثير من علومهم ضاعت في بحر التاريخ , يدعمهم رواية هيرودوت المليئة بالمبالغات . و الفريق الآخر الذي يدعم نظرية , ان بناة الأهرامات هم كائنات متفوقة - من الفضاء الخارجي !! - او الناجين من قارة اتلانتيس الأسطورية (!!) .

الجميل هنا, ان هذا البحث يستعين بشكل كبير بالنصوص القرآنية كأساس , لأثبات ما يرمي اليه الكاتب.

قرأت البحث , وفي وجهة نظري الشخصية:

- البحث يطرح دلائل منطقية جدا على ان الفراعنة لم يبنوا الأهرامات , و لفت نظري العبارة التالية:

" من الناحية الدينية فالله سبحانه وتعالى يقرر في كتابه الحكيم أن الفراعنة لا يستطيعون البناء إلا بالطين إذ قال { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ } القصص : 38

فما كانوا يستطيعون البناء من الحجارة وإنما من الطين." انتهى

لكأني اقرأ للمرة الأولى هذه الآية في القرآن الكريم..!

و أورد دليلا عقليا ان القلاع في سيناء مبنية من الطين:

" لماذا تم بناء القلاع الفرعونية الخمسة بسيناء من الطين ؟ هل يعقل أن نركب سيارات من صاج ونصنع دبابات من ورق ؟ ألم يكن من المفترض أن تشيد القلاع من أقوى ما يملكون ؟"انتهى

بالأضافة لذلك الأدلة الهندسية من حيث عِظَم البنيان و صعوبة بناءه في المدة المذكورة حسب تصور الآثاريين , خصوصا بطرق البناء البدائية , فهي منطقية جدا , وتدعم النظرية المضادة التي تنفي بناء الأهرامات من قِبَل الفراعنة.

هنا.. انا اقتنعت بأن الفراعنة لم يبنوا الأهرامات حقيقة ... و لكن قوله بأن قوم عاد هم من قام بالبناء , فأرى ان ادلته استنتاجية و ظيفية و غير مدعمة بالمصادر كما ينبغي...كما في التحليل الآتي:

- لباحث اورد في " البحث الديني":

"وأن الله أبقى مساكنهم من بعدهم واضحة مرئية للعيان { وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ } العنكبوت : 38" .. انتهى

يذكر السعدي في تفسير هذه الآية :

‏{‏وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏}‏

أي‏:‏ وكذلك ما فعلنا بعاد وثمود، وقد علمتم قصصهم، وتبين لكم بشيء تشاهدونه بأبصاركم من مساكنهم وآثارهم التي بانوا عنها، وقد جاءتهم رسلهم بالآيات البينات، المفيدة للبصيرة، فكذبوهم وجادلوهم‏.‏ ‏{‏وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ‏}‏ حتى ظنوا أنها أفضل مما جاءتهم به الرسل‏.‏

وذُكِر في تفسير الجلالين:

"{‏وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين ‏}‏

‏{‏ و ‏}‏ أهلكنا ‏{‏ عاداً وثموداً ‏}‏ بالصرف وتركه بمعنى الحي والقبيلة ‏{‏ وقد تبيّن لكم ‏}‏ إهلاكهم ‏{‏ من مساكنهم ‏}‏ بالحجر واليمن ‏{‏ وزيَّن لهم الشيطان أعمالهم ‏}‏ من الكفر والمعاصي ‏{‏ فصدهم عن السبيل ‏}‏ سبيل الحق ‏{‏ وكانوا مستبصرين ‏}‏ ذوي بصائر‏.‏ " المصدر

أي ان التفاسير لم تتطرق لنقطة ان قوم عاد في مصر بل في اليمن منذ القِدَم و ليس مؤامرة يهودية حديثة بأن قوم عاد ليسوا في الأحقاف او على الأقل في اليمن ! , ولو ذكر بعض المؤرخين كالمقريزي** و المسعودي و الحموي ان الأهرام شيدها قوم عاد حسب ماذكر الأخ صاحب البحث .. فلا يعدوا اجتهادات و لا اعتقد انه يمكن الركون اليها كدليل دامغ, فهي كما قلت اجتهاد مؤرخين... والله اعلم.

** لقد اطلعت على كتاب الموعظ و الأعتبار (الخطط المقريزية) الجزء الثاني و ذكر فيها ما نصه - ص 260 :

"و ان اهل المغرب لما انذر حكماؤهم بالطوفان اتخذوا المباني العظيمة كلهرمين بمصر و نحوهما.." انتهى

غير ان الكتاب - النسخة التي لدي - بحد ذاته , مثير للشك لما فيه من علم بالنجوم و خرافات ما انزل الله بها من سلطان.
يقول الباحث ايضا:
" ورغم ذلك سكن الفراعنة في مساكنهم بلا عبرة أو اتعاظ { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ } إبراهيم : 45" انتهى

ذُكِر في تفسير الجلالين:

"{‏وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال ‏}‏

‏{‏ وسكنتم ‏}‏ فيها ‏{‏ في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ‏}‏ بالكفر من الأمم السابقة ‏{‏ وتبين لكم كيف فعلنا بهم ‏}‏ من العقوبة فلم تنزجروا ‏{‏ وضربنا ‏}‏بينا ‏{‏ لكم الأمثال ‏}‏ في القرآن فلم تعتبروا ‏.‏ " المصدر


ولكن الباحث , قفز فجأة لنقطة قوم عاد ... الأمر بحاجة للمزيد من البحث و النظر المدعّم بالحقائق دون لي اعناق النصوص الكريمة لما نفترضه. وهنا نقف عند نقطة"نفترض" , كما علمنا فان النظرية هي فرضية ثبتت صحتها , الأحرى بالكاتب ان يذكر بأن هذه مجرد فرضيات.

نأتي للدلائل العملية بالبحث (النقطة 9) :
فكلامه يحتاج لمصادر..لأثبات ما يذكره من "يوجد أماكن عدة بها مقابر ومدافن ومخازن لجثث قوم عاد العملاقة مخفاة ومخبأة تحت حراسات مشددة للغاية.." انتهى

أما الدليل الجغرافي:

فكلامه منطقي من حيث ان لا يوجد دليل بأن قوم عاد باليمن "أما اليمن على سبيل المثال فبها هضاب رملية وأودية قديمة ولكن لا يوجد بها آثار قوم عاد، لذلك احتج ابن عباس حبر الأمة ومعه الضحاك وقتادة على الأشعار التي انطلقت من اليمن تتغنى وتمتدح وجود قوم عاد بها وتساءلوا: [ وهل يُسْتَدَل على الأثر بالشعر ؟ ]، فأين هي أبنية قوم عاد الآية التي تركها الله عبرة لمن بعدهم، هل يُعْقَل أن تُدْفَن في الرمال أو تتهدم في الوقت الذي لا تزال فيه الأبنية المتواضعة لحضارتي سبأ ومعين صامدة ومرئية للعيان !!"انتهى
ولكن نأتي للمنطق المضاد: ما هو الدليل على عدم وجودهم ؟ , كلا الأحتمالين مرجوحين, وليس بالضرورة تثبت بأن قوم عاد في مصر. تساؤلي, ذكرت مصر على لسان الرسول الكريم صلوات الله و سلامه عليه عدة مرات و لم يذكر شيئا عن قوم عاد ؟.

- نقطة ان هناك من كان قبل الفراعنة و ذكرت 4 مرات في القرآن , فحسب ما فهمت من السياق القرآني انه تذكير عام بالأمم التي سبقتهم بالكفر و العصيان و تشمل عادا و ثمودا و اصحاب الأيكة مثلا و ليست مختصة بمن سكن قبل الفراعنة.. و الله اعلم.

- الجزئية بأن اليهود يقولوا بأن القرآن كتاب اساطير - قاتلهم الله - لأنه لم يذكر عندهم في توراتهم - المحرفة - قوم عاد , ليس بحجة عليهم , لأنهم اصلا لا يؤمنون بالرسول الكريم ناهيك عن القرآن, و سؤالي هل نقطة الخلاف الوحيدة - أو الجوهرية - هي توافق النصوص فيما يتعلق بالأمم الغابرة؟ أنا غير مقتنع بهذا السبب الذي اورده الباحث و هو محاولة ضعيفة و مكشوفة لنظرية المؤامرة . و نحن نعلم بأن كتابنا الخالد هو الحق و ما لديهم هو الباطل .

أنا مع الكاتب بأن اليهود - لربما - لهم دور في تعظيم الفراعنة الوثنيين و ربط الأمم الأسلامية بماضيهم الوثني - كحضارة الآشوريين في العراق و الفينيقيين في لبنان و تونس , لألغاء الأعتزاز بالتاريخ الأسلامي فقط , و لا نريد ان نحمّل الأمر اكثر مما يحتمل كما ذهب في "فرضيته".

هذه كانت كلمات استوقفتنى ولها بقيه ان شاء الله....